أمتعنا المخرج الامريكي ستانلي كوبريك في الستينيات من القرن الماضي بفيلم الخيال العلمي " 2001 : أوديسة الفضاء " وقد أحدث الفيلم المذكور انقلابا في عالم التكنولوجيا والنظرة المستقبلية للمجتمع الامريكي ، نرى من خلال مشاهد الفيلم طائرة تطير في السماء وهي مجهزة بشاشة عرض سينمائي أمام كل راكب ، وتلك التكنولوجيا لم تكن متوفرة في ذلك الوقت عدا في خيال كاتب قصة الفيلم، ولكن رؤية الكاتب تحققت ورأت أرض الواقع بعد ذلك بسنوات واصبحت طائرات النقل التجاري مجهزة بشاشات عرض سينمائي امام كل راكب .... بعد هذا الفيلم بعدة سنوات ، يطالعنا الفنان الكويتي عبدالحسين عبدالرضا من خلال أحد مشاهد المسلسل الكوميدي المحلي الشهير " درب الزلق " بحوار بينه وبين أحد أفراد الجاليه الهنديه ويدور الكلام بينهم كما يلي " شيل لزقة مال لهم مال كلب ، حط لزقة مال قبوط و لزقة مال مكبوس لهم " ، بخفة دم الكاتب عبدالامير التركي وخياله الخصب تنبأ ان المجتمع الكويتي وربة البيت الكويتية في يوم من الايام سيلجؤن للمعلبات والمأكولات السريعة المجمدة عوضا عن الاكل المطبوخ بالطريقة التقليدية، وكما نرى اذا تسوقنا في أحدى جمعياتنا التعاونية ، الرفوف والثلاجات مملوئة بتلك الوجبات الكويتية المعلبة والمثلجة . اشتهرت الكويت منذ القدم بصناعة حلوى " الرهش " ، كما اشتهرت مملكة البحرين الشقيقة بصناعة الحلوي و أيضا سلطنة عمان بصناعة الحلوي " المسقطية " .... وهنا اتخيل وافكر لما لم تقم كبري شركات صناعة الحلويات في العالم بمنافسة الخليجيين في صناعة الحلوي والرهش وايضا الدرابيل والقرص عقيلي ؟ هل سيتوفر للمستهلك الخليجي ان يشتري في يوم من الايام الحلوي الفرنسية الفاخرة المطعمة بالزعفران الاسباني .. أو أن يشتري كيلو من الرهش الامريكي المغطي بالشوكولاتة البلجيكية الفاخرة ؟
في ظل التوجه العالمي لفتح الاسواق في كل دول العالم أمام كل المصنعين والمنتجين وموفري الخدمات ، يصبح العالم مجرد قرية كبيرة بلا اي حواجز تمنع دخول اي تجارة أو منتج الى بلد ما .. وسيتوفر للمستهلك في احدى قري الصعيد المصري مثلا ما يتوفر للمستهلك الامريكي في نيويورك ! قد تخدم التجارة الحرة في نظام العولمة المستهلك اذا ما توفرت له السيولة والقوة الشرائية متيحة للمستهلك أصناف وأنواع لا تعد ولا تحصى من شتى البضائع والمنتجات ، ولكن الهدف الرئيسي من وراء نظام العولمة والتجارة الحرة هو خدمة الشركات وفتح أسواق جديدة لها لتسويق منتجاتها المتنوعه. منذ فترة طويلة ، قامت كبري الشركات والبنوك الاجنبية باعداد العدة لمواجهة كافة التحديات في ظل التجارة الحرة والسوق العالمي المفتوح ، اندمجت أكبر البنوك لتكون بنوك عملاقة برؤوس أموال طائلة وخبرات لا يستهان بها ، وقامت الشركات العالمية بالاندماج مكونة مجموعات ضخمة ذات دخل سنوي يفوق دخل بعض الدول النامية. المطالبة بتجارة حرة واسواق مفتوحة للجميع سلاح ذو حدين ، فمن ناحية يستفيد المستهلك من تعدد السلع والبضائع وتفاوت الاسعار ، ومن ناحية أخري تواجة الشركات والمصانع الوطنية منافسه غير عادلة نظرا لصغر حجم تلك الشركات والمصانع وقلة خبرتها في مواجهة العمالقة القادمين من الغرب .... والسؤال المطروح هو : ماذا أعددنا من عدة لمواجهة هذا الغزو التجاري ، وان لم نكن في مستوي المواجهة ، فما هي البدائل اذا ؟ احدى شركات الهاتف المتنقل الكويتية قامت بتحالف استراتيجي مع احدى أكبر الشركات في نفس مجالها، ولعل مثل هذا التحالف يوفر لها الحماية والغطاء المناسب لمواجهة عمالقة الغرب الاخرين ، ولكن ماذا عن باقي شركاتنا ومصانعنا الوطنيه ؟ فالحكومة قامت مشكورة وعلى مدي سنين طوال بدعم تلك الشركات والمصانع ، بل وقامت بالاستثمار في بعض منها ، وها هي الان بعد مشاركة دولة الكويت في اتفاقية الجات للتجارة الحرة تفتح المجال أمام جميع الشركات في دول العالم للاستثمار في سوقنا المحلي ، وتعلن بداية لخصخصة العديد من القطاعات التي تخدم المواطن الكويتي والمملوكة من قبل الحكومة كقطاع الاتصالات والكهرباء والماء.
يذكر الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق والخبير في شئون العولمة في احدي خطبة امام المجتمع الماليزي عام 2001 ان التجارة الحرة خيار ذكي من قبل الدول الغربية وأمريكا بالاخص لعلم تلك الدول انها لن تجد منافس يقف أمام عمالقة الصناعة والتجارة عندهم ويجب على الدول النامية ان تحمي اقتصادها المحلي ومصنعيها من مخاطر التجارة الحرة من خلال تقنين بعض الامور المتعلقة في آلية تطبيق اتفاقية الجات وذلك لاعطاء الفرصة للصغير ان يكبر و اعطاء الفرصة للجديد ان يتخذ خبرة و ضمان الوظائف للمواطنين. اما ان يتم الامر بطريقة عشوائية بدون اي ضوابط ومعايير ، فذلك يعني هلاك ودمار اي صناعة او بنك او شركة محلية.
نضيف على ذلك ، ان التجارة الحرة يجب ان تحترم مفاهيم وقيم بلادنا الاسلامية ، وتطبق قوانين بلدنا الخليجي ، لان حكومة دولة الكويت لن تسمح باستيراد المشروبات الروحية ، او الافلام الخلاعية وغيرها من البضائع المنافية لتعاليم ديننا الاسلامي الحنيف ، ولا توجد اي اتفاقية تجبرنا ان نسمح بدخول مثل تلك الشركات الى بلادنا ، فنحن عندما نشارك في اتفاقيات عالمية للتجارة ، انما نضع في الاعتبار المصلحة المشتركة وفائدة تعود على جميع الاطراف بضمان حماية المستهلك والمواطن الكويتي من اي ضرر او مكروه.
الدولمة كلمة تركية ؟؟؟ وانا طول هالوقت احسبها زبيرية ؟
interesting !